الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية 2025 "تنويع الاقتصاد، إثراء للحياة"

الكلمة الافتتاحية لمعالي الدكتور محمد سليمان الجاسر رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية

                                                 بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصَلاةُ والسلامُ على أفضل الأنبيـاءِ والمرسـلين، سيدِنا ونبينا محمدٍ الأمين، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، ومَن تبِعهم بإحْسَانٍ إلَى يوم الدين

معالي السيد نَذير العرباوي، الوزيرُ الأول للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية،

معالي السيد عبد الكريم بو الزرد، وزيرُ المالية ومحافظُ البنك الإسلامي للتنمية عن الجزائر، رئيسُ مجلس المحافظين،

معالي السيد حسين إبراهيم طه، الأمينُ العام لمنظمة التعاون الإسلامي،

أصحابَ المعالي المحافظين والمحافظين المناوبين وأعضاءَ الجمعيتين العامَّتين،

أصحابَ السعادة أعضاءَ مجالس الإدارة،

أعضاءَ الوفود الكرام،

أيّها السيداتُ والسادة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

  1. أهلاً بكم في الاجتماعاتِ السنوية لمجموعةِ البنكِ الإسلامي للتنمية لعام 2025.
  2. وبالنيابة عن جميع المشاركين، أتوجه بخالص الشكر إلى الجزائر، قيادةً وحكومةً وشعباً، على حفاوةِ الاستقبال وكرمِ الضيافة.وأخص بالشكر معالي وزير المالية، رئيسَ مجلس المحافظين، على الجهود التي بُذلت في التحضير الممتاز لهذه الاجتماعات.

  3. لقد جسَّدت الجزائرُ، كما عهِدناها، روحَ الإخاء والضيافة، وفتحت لنا قلبَها قبل أبوابِها للمرة الثالثة، لتصبح بذلك أولَّ دولةٍ عضوٍ، غيرَ دولةِ المقر، تستضيفُ الاجتماعات السنوية لثلاثِ مراتٍ منذ إنشاء البنك، وهو ما يعكسُ إيمانَ الجزائرِ الراسخ بقيمةِ هذه المؤسسة العريقة ونُبلِ الرسالةِ التي تؤديها.
  4. فها نحن اليوم نلتئم على أرضِ الجزائر، وما أدراك ما الجزائر!
  5. هل أحدثكم عن الإباء والجهاد، وأمجاد الأمير عبد القادر؟! ومن عاصره من أمثال المجاهدة للّا فاطمة نْسُومْر، والشيخِ المجاهد المُقْراني، والشيخ المقاوم بُوعْمامة؟!  
  6. أم أحدثكم عن الورعِ والتقوى ومناقبِ العلامة سيدي عبد الرحمن الثعالبي، الذي تشتهرُ الجزائرُ العاصمة باسمه: مدينةُ سيدي عبد الرحمن.
  7. أم أحدثكم عن العِلم والفِقه والحُجة، والشيخِ عبد الحميد بن باديس؟! أم أحدثكم عن روائعِ اللغة وفصاحةِ اللسان والشيخِ البشير الإبراهيمي، فارسِ البيان ومُنوِّرِ الأذهان؟! 
  8. أم أحدثكم عن الفكر والنهوض ومقارعةِ الاستعمار، والفيلسوف المجدد مالك بن نبي؟!
  9. الجزائرُ، يا سادة، ليست مجردَ وطن، بل ملحمةُ شعبٍ صابرٍ صامدٍ قدَّم أكثرَ من مليون شهيد حتى انتزع حريتَه من براثن الاستعمار الغاشم.
  10. ومن وحي هذا النضال، نستمِدُ العزمَ على تحرير أوطانِنا من كل قيد: من قيد الفقر، ومن رِبقة التخلف، ومن أغلال التبعية.
  11. ونحن اليوم، إذ نجتمعُ تحت شعار "تنويعُ الاقتصادِ إثراءٌ للحياة"، فإننا في هذا الاتجاه سائرون، نخطو بثقة وعزيمة نحو تنميةٍ شاملة ومستدامة، وازدهارٍ يعمّ بلدانَنا الأعضاء كافة.
  12. وليس أبلغُ في هذا المقام من الكلمات الخالدة لشاعر الثورة مُفْدِي زكريا التي يستلهم منها كلُّ أحرار العالم قيمَ الصمودِ والتضحية:

قسماً بالنازلات الماحقات ....... والدماءِ الزاكيات الطاهرات

والبنودِ اللامعات الخافقات .... في الجبالِ الشامخاتِ الشاهقات

نحن ثُرنا فحياةٌ أو ممات ...... وعَقَدنا العزمَ أن تحيا الجزائر

فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

  1. ولمجموعةِ البنك الإسلامي للتنمية والجزائر تاريخٌ طويلٌ من الشراكاتِ الناجحة في مجال التنمية.
  2. فالجزائرُ من الدول المؤسِّسة للبنك عام 1974، وهي عضوٌ فاعلٌ في كل مؤسسات المجموعة.
  3. وما فتئت مجموعةُ البنك الإسلامي للتنمية، منذ نشأتها، تدعم مسيرةَ التنميةِ في الجزائر، عبر تمويلاتٍ وأنشطةٍ تنمويةٍ متنوعة، بلغت في مجملها نحو 3 مليارات دولار أمريكي، مما يعكس عمقَ الشراكة وقوةَ التعاون.
  4. وهنا أود أن أُشيدَ بالجهود الحثيثة التي تبذُلُها الدولة الجزائرية لتنويع الاقتصاد وجعله أكثرَ شمولاً وعدالةً.
  5. فالجزائرُ تمضي قُدماً بخطى واثقةٍ على دربٍ تنمويٍ طموحٍ يضع تنويعَ الاقتصادِ في صميمِ أولوياتِه، وهو ما يرتكز عليه إطارُ التعاون القُطري للفترة من 2025 إلى 2027، الذي نعتز بإطلاقه خلال هذه الاجتماعات السنوية.

أصحابَ المعالي والسعادة،

أيها الحضور الكريم،

  1. في خضم مشهد عالمي بالغِ التعقيد تتشابك فيه الأزمات، يواجه الاقتصادُ العالمي اليوم تحدياتٍ لم يسبق لها مثيل، تتصدرها التوتراتُ الجيوسياسية المتصاعدة، وتفاقمُ مظاهرِ الانقسام الاقتصادي، وتداعياتُ التغيرِ المناخي.
  2. وقد أدت هذه العوامل وغيرُها إلى تباطؤ النمو العالمي إلى 3.3% في عام 2024، مع توقعاتٍ بتراجعه إلى 2.8% في 2025، وفقاً لآخر تقرير لصندوق النقد الدولي.
  3. أما بلدانُنا الأعضاء، فقد سجلت أداءً اقتصادياً متبايناً.
  4. فبينما تباطأ النموُ قليلاً في بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، شهدت منطقةُ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تراجعاً حاداً من 5.8% في 2022 إلى 1.5% في 2023، تلاه تحسنٌ طفيفٌ بنسبة 1.6% في 2024، مع توقع تحسنٍ في نسبة النمو إلى 3% في عام 2025.
  5. وفي المقابل، قدمت منطقةُ إفريقيا جنوب الصحراء نموذجاً واعداً، إذ ارتفع معدلُ النمو فيها من 3.7% إلى 4.2% عام 2024، ويرتقب أن يستمر هذا المنحى التصاعدي في 2025 رغم الاضطرابات التجارية العالمية الحالية.
  6. وتُنذر التوتراتُ العالمية الأخيرة المتعلقة بالرسوم الجمركية، في حالِ استمرارها، بآثارٍ سلبيةٍ محتملة على اقتصادات البلدان الأعضاء، مما يفرضُ تسريعَ التكامل الاقتصادي، والانفتاحَ على أسواق بديلة وواعدة، وتعزيزَ التجارة البينية.
  7. ويُعدّ هذا التنويعُ خطوةً أساسيةً لتقويةِ متانةِ الاقتصاد وتعزيزِ الاكتفاء الذاتي والاستقرارِ الاقتصادي على المدى البعيد.

أصحابَ المعالي والسعادة،

أيها الحضور الكريم،

  1. رغم هذه التحديات، واصلت مجموعةُ البنك الإسلامي للتنمية دورَها الريادي في دفعِ عجلةِ التنمية وترسيخِ الاستقرار الاقتصادي في بلدانها الأعضاء.
  2. ففي عام 2024، بلغ إجماليُ اعتماداتِنا التمويلية أكثرَ من 13 مليار دولار أمريكي، بزيادة فاقت 12% مقارنة بالعام السابق، مما يعكس التزامَ مجموعةِ البنك بتقديم حلولٍ سريعةٍ وفعالة لمواجهة الأزمات والتحديات الطارئة.
  3. وتجاوز إجماليُّ المبالغِ المصروفةِ في عام 2024 لتنفيذ المشاريع 9 مليارات دولار، أي نحو 70% من الاعتمادات، مما يدل على حرص مجموعة البنك على تحويل الالتزامات إلى إنجازات واقعية.
  4. وفي إطار تركيز البنك على القطاعات الحيوية، تم تخصيص 1.5 مليارَ دولارٍ لدعم قطاع النقل، إدراكاً لدوره المحوري في تحفيز النمو وتيسير الربط الإقليمي.
  5. كما أولينا اهتماماً بالغاً للأمن الغذائي، باعتماد نحو ملياري دولار لقطاع الزراعة في عام 2024.
  6. أما قطاع الطاقة، فقد حاز تمويلاً قدرُه 918 مليون دولار، إسهاماً من البنك في بناء أنظمةٍ لطاقة مستدامة ومتكاملة.
  7. وعلى الصعيد المالي، سجل البنكُ أداءً قوياً يعكس صلابةَ استراتيجيتِه وتنوعَ محفظةِ عملياتِه، بالرغم مما يكتنفُ المشهدَ العالمي من تحديات.
  8. وعلى مستوى باقي مؤسساتِ مجموعةِ البنك، فقد اعتمدت المؤسسةُ الإسلامية لتنمية القطاع الخاص 663 مليون دولار من أجل دعمِ القطاعِ الخاص في البلدان الأعضاء وتعزيزِ دورِه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  9. كما تجاوزت اعتماداتُ المؤسسةِ الدولية الإسلامية لتمويل التجارة 7 مليارات دولار، في حين بلغت قيمةُ الأعمالِ التي أمَّنتها المؤسسةُ الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات نحو 13 مليار دولار.
  10. إن هذه الإنجازات ليست مجردَ أرقامٍ، بل هي تجسيدٌ لالتزامِ مجموعةِ البنك بمواصلةِ دعمِ البلدانِ الأعضاء، وتلبيةِ احتياجاتِها التنموية، وتعزيزِ قدرتِها على مواجهة الأزمات.
  11. ولتحقيق أثرٍ تنمويٍ أعمقَ وأكثرَ استدامةً، عززت مجموعةُ البنك شراكاتِها الاستراتيجية، وطورت منظومةَ الحوكمة، واعتمدت أساليبَ تمويلٍ مبتكرة تستند إلى مبادئ التمويل الإسلامي، التي تشكل رافعة حقيقية لسد فجوة التمويل في كثير من البلدان.
  12.  كما واصل البنكُ تعزيزَ حضورِه الفاعل في أسواقِ رأسِ المال العالمية بإصدارِ صكوكٍ عاليةِ التصنيف (AAA).
  13. وفي هذا الصدد، يُسعدني أن أعلن أن وكالة فيتش قد أكَّدت بالأمس التصنيف الائتماني الممتاز للبنك (AAA).

 

أصحابَ المعالي والسعادة،

أيها السيدات والسادة،

  1. بعد احتفالِنا باليوبيل الذهبي للبنك في شهر أبريل من العام الماضي بمدينة الرياض، أطلقنا مرحلةً جديدةً من التخطيط الاستراتيجي، ترسُم ملامحَ مسيرةِ مجموعةِ البنك في عِقدها السادس.
  2. وشرعنا منذ ذلك الحين في إعداد الإطارِ الاستراتيجي العَشري للمجموعة للفترة من 2026 إلى 2035، ضمن رؤيةٍ طموحةٍ ترمي إلى جعل مجموعة البنك الإسلامي للتنمية الشريكَ التنمويَّ المفضل لتعزيز التنميةِ البشريةِ الشاملة وصونِ الكرامةِ الإنسانية.
  3. وبعد أن حظيَ هذا الإطارُ مؤخراً بمباركة مجالسِ إدارة المجموعة، فسيكون، بعد اعتمادِه إن شاء الله خلال هذه الاجتماعات، مرجعاً في إعداد الاستراتيجيات المؤسسية الخَمسية 2026–2030 للبنك وباقي مؤسسات المجموعة.
  4. وتنفيذاً لتوجيهات المحافظين خلال اجتماع المائدة المستديرة العام المنصرم، أطلق البنكُ مبادرةً استراتيجيةً لتصميمِ نافذةٍ للتمويل المُيسَّر مخصصةٍ للبلدان الأعضاء الأقل نمواً.
  5. وتجسد هذه المبادرةُ التزامَنا الثابت بدعم مسيرةِ التنمية في بلداننا الأعضاء، مستفيدين من مكانتِنا المؤسسية الفريدة، وشراكاتِنا المتنوعة، ومواردِنا المتاحة.
  6. وتستمد مجموعةُ البنك هويتَها وقوتَها -بعد عون الله تعالى- من كونها بنكاً "من الجنوب، وفي الجنوب، وللجنوب".
  7. وبارتكازِها إلى المبادئِ الإسلاميةِ السامية من تضامنٍ وعدالةٍ وتكافل، فهي ليست مجردَ مؤسسةٍ تمويلية، بل شريكٌ تنمويٌ فاعلٌ يسعى إلى تحقيق التغييرِ الإيجابي والنموِ المستدام والازدهارِ الشامل.
  8. وفي الختام، أود أن أُعربَ عن عميقِ الشكرِ لبلدانِنا الأعضاء كافةً على ثقتِها المستمرة في مجموعةِ البنك ودعمِها القوي والمتواصل.
  9. وأخص بالشكر بلدَ المقرّ، المملكةَ العربيةَ السعودية، وكبارَ المساهمين، والبلدانَ التي تستضيفُ المراكزَ الإقليمية لمجموعة البنك.
  10. ولا يفوتُني كذلك أن أشكرَ أعضاءَ مجالسِ الإدارة بمجموعة البنك الموقرين على توجيهاتهم وآرائهم السديدة، ودعمِهم المتواصل.
  11. وأود أيضاً أن أُعرِبَ عن شكري وتقديري لجميع زملائي موظفي مجموعة البنك على تفانيهم وإخلاصهم.
  12. وأجدِّدُ عميقَ امتناني للجزائر، قيادةً وحكومةً وشعباً، على استضافة هذه الاجتماعات، وعلى ما حظي به كلُ المشاركين من حُسنِ الوِفادة وكرمِ الضيافة.
  13. وهنا أود أن أُعرِبَ عن حبي للجزائر بكلماتٍ للشاعر أحمد المَقَّري التِلِمْساني، الذي أنشد في حبِّ بلادِه قائلاً:

بلدُ الجزائر ما أمَّرَ نَواها           كَلِفَ الفؤادُ بحبِّها وهواها

يا عاذِلي في حُبِّها كن عاذري     يَكفيك منها ماؤُها وهَواها!

  1. وقبل مغادرةِ هذا المنبر أدعو الله عز وجل أن يُخفّفَ عن أمّتِنا ما ألمَّ بها من أزماتٍ، ويُهوِّنَ على شعوبِنا ما تعانيه في كثيرٍ من بلدانِنا الأعضاء، وفي مقدّمتها فلسطينُ الحبيبة، التي نسأله تعالى أن يرفع عنها البلاء، ويهيّئ لأهلها فرجاً قريباً، وأمناً مستقرّاً، وعيشاً كريماً عاجلاً غير آجل.
  2. كما أسأله، جلَّ في عُلاه، أن يباركَ في مساعينا، ويسدِّد خُطانا لتحقيق المزيد من التقدّم والازدهار لكلّ المجتمعاتِ التي نعتزُّ بخدمتِها ونفخرُ بالانتماءِ إليها.

"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون"

والله ولي التوفيق،

                                                          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Top