محاضرة معالي الدكتور محمد سليمان الجاسر رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في جامعة محمد الخامس- الرباط

"دور وتأثير مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في مساعدة المغرب وغيره من البلدان الأعضاء على تحقيق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة"

                                 بسم الله الرحمن الرحيم

       

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَلاةُ والسلامُ على أفضل الأنبيـاءِ والمرسـلينْ، سيدِنا مُحمدٍ الأَمينْ، وعَلى آلِهِ وصَحْبهِ أجْمَعِين، ومَن تَبِعَهُم بإحْسَان إلَى يوم الدِّين

السيد رئيس جامعة محمد الخامس الدكتور فريد الباشا،

السادة نواب الرئيس،

السادة عمداء الكليات،

الطلاب الأعزاء،

أيّها السيدات والسادة،

اسمحوا لي، في بادئ الأمر، أن أتقدّم، نيابةً عن جميع موظفي مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بخالص التعازي وصادق المواساة لضحايا الزلزال المأساوي الذي ضرب المغرب. ونتوجه بمشاعرنا ودعواتنا للشعب المغربيّ خلال هذا الوقت العصيب. وإن البنك الإسلامي للتنمية على استعداد للتعاون مع الحكومة المغربية في جهود الإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار.

ويشرفني أن أمثُل أمامكم في هذه المؤسسة المرموقة للحديث عن دور مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في النهوض بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلدانها الأعضاء في سياق عالمي يتسم بعدم اليقين والعديد من الصعوبات. إنه منعطف حاسم في التنمية الدولية، يشهد مجموعة من الأزمات غير المسبوقة، لكل منها انعكاسات عميقة على الاقتصادات والمجتمعات في العالم أجمع. ومن بين هذه الصعوبات الهائلة تأثُّرُ خطة التنمية الدولية بالتبعات الواسعة المدى المترتبة على جائحة كوفيد-19 والأحداث الجارية في أوروبا الشرقية.

وفضلاً على ذلك، شهد العالم التأثير المقلق للكوارث الطبيعية الشديدة المباغتة، بدءاً من الزلازل المدمرة وانتهاءً بالفيضانات الكارثية. وقد عطلت هذه النكبات حياة ومَعايِشَ عدد لا حصر له من الأشخاص، مما يؤكد أهمية القدرة على الصمود، وقابلية التكيُّف، والتعاون العالمي.

لقد أبانت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية عن تضامنٍ وقدرة على الصمود لافتين للنظر في أوقات المحَن. فتصدّت بسُرعة للأزمات الإنسانية بأن قدّمت الإغاثة والمساعدة الضروريتين للبلدان الأعضاء التي واجهت كوارث طبيعية أو نزاعات أو طوارئ صحية. وتؤكد هذه الجهود حرص مجموعة البنك الإسلامي للتنمية على دعم بلدانها الأعضاء في أصعب الظروف.

دعم البلدان الأعضاء

أيّها السيدات والسادة،

أنشئت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية سنة 1974 برسالة واضحة ونبيلة هي: تشجيع التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي للبلدان الأعضاء وللجاليات الإسلامية في البلدان غير الأعضاء، والنهوض برفاهية شعوبها. وتبذل هذه المؤسسة، المتشبعة بمبادئ المالية الإسلامية، جهوداً متواصلة للقضاء على الفقر، وتعزيز التنمية البشرية، والنهوض بالنمو الاقتصادي المستدام.

وتتألف مجموعة البنك الإسلامي للتنمية من البنك الإسلامي للتنمية ومن خمسة كيانات أخرى تتآزر فيما بينها وتعتمد مبدأ "المجموعة الواحدة ذات الهدف الواحد" من أجل تقديم خدمات شاملة.

فأمّا البنك الإسلامي للتنمية، فينصبّ اهتمامه على تمويل المشاريع عن طريق التمويلات السيادية والشراكات بين القطاعين العام والخاص.

وأمّا معهد البنك الإسلامي للتنمية، فيعمل في مجال التدريب والبحث والخدمات الاستشارية وتطوير القدرات في مجال المالية الإسلامية.

وأمّا المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، فترمي إلى النهوض بتنمية القطاع الخاص في البلدان الأعضاء، والمساعدة على النفاذ إلى أسواق رأس المال الإسلامية، وتعبئة المزيد من الموارد المالية لفائدة القطاع الخاص.

وأمّا المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات، فتقدم تأمين ائتمان الصادرات وإعادة التأمين الموافقين للشريعة الإسلامية، وتوفر التأمين من المخاطر السياسية تشجيعاً لتدفق الاستثمارات.

وأمّا المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، فتعمل على تعزيز التجارة بين البلدان الأعضاء، وتشجيع المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ومساعدة الشركات على الحصول على التمويل التجاري بطريقة أفضل.

وأمّا صندوق التضامن الإسلامي للتنمية، فيقدِّم حلولاً تمويلية ميسَّرة لمكافحة الفقر في البلدان الأعضاء.

كذلك، أنشأنا عدة مراكز إقليمية في بعض البلدان الأعضاء وعيَّنّا عشرات الممثلين الميدانيين في بلدان أخرى حتى تكون المؤسسة أقرب إلى عملائها وأسرع في تنفيذ مشاريعها.

أيّها السيدات والسادة،

نظراً لأهمية العلاقة الاستراتيجية بين المغرب ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية، أنشأ البنك أول مكتب إقليمي له على الإطلاق في الرباط سنة 1994. ويغطي هذا المكتب الآن، إضافة إلى البلد المضيف، كلاًّ من ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا.

إن أحد أسس فعالية مجموعة البنك الإسلامي للتنمية هو تصوّرها المتعدد الأوجه للتنمية. فمن جهة، تدرك هذه المؤسسةُ أن التنمية المستدامة مسعىً معقد ومترابط يشمل عدة جوانب. ولذلك تقدِّم مجموعة من المنتجات المالية والمساعدات الفنية من أجل التصدّي لمختلف الاحتياجات والصعوبات التي تواجه بلدانها الأعضاء. ومن جهة أخرى، ترى مجموعتنا أن التنمية مسؤولية جماعية تشترك فيها الحكومات، والمجتمعات المدنية، والقطاعات الخاصة، والبنوك الإنمائية، والجهات الفنية الشريكة، والمنظمات الخيرية.

انطلاقاً من هذا التصور، أقمنا شراكات متينة مع عدة حكومات ومؤسسات مالية ومنظمات خيرية. ومن ذلك، مثلاً، أن صندوق العيش والمعيشة رؤية مشتركة بين البنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وصندوق التضامن الإسلامي للتنمية، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وصندوق أبوظبي للتنمية، وصندوق قطر للتنمية. وترمي هذه الشراكة الفريدة إلى انتشال أفقر الفئات المجتمعية من الفقر في بلدان البنك الإسلامي للتنمية، وذلك بتوفير موارد بالغة التيسير تتألف من مساعدات الجهات المانحة الإقليمية والدولية وتمويلات البنك العادية للمشاريع.

ويدخل في صميم رسالة مجموعة البنك كونُها مصدراً أساسيّاً لتمويل التنمية في بلدانها الأعضاء. فهي تقدِّم مجموعة من الأدوات المالية، منها التمويلات العادية التي تستخدم منتجات مالية إسلامية، وقروضاً ميسَّرة، ومنحاً، واستثمارات في الأسهم، وذلك في سبيل دعم مشاريع ومبادرات هامة. وانطلاقاً من رأسمال يناهز 8.5 مليار دولار أمريكي، تمكَّنت مجموعة البنك من حشد أكثر من 175 مليار دولار أمريكي لتمويل مشاريع لبلدانها الأعضاء في مختلف القطاعات. وهذه المشاريع لا تستحدِث فرص العمل فحسب، بل تؤسِّس أيضاً للتنمية والسلام على المدى البعيد.

ونظراً لما للبنى التحتية من أهمية قصوى، فإنها تحظى بنصيب الأسد من هذا التمويل بنسبة تزيد عن 64%. وهذا يوضح الدور الذي اضطلع به البنك مع الجهات المانحة الأخرى في تدارك نقص البنى التحتية في بلداننا الأعضاء.

ولما كانت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية تدرك أن رأس المال البشري مهمّ لتحقيق التنمية المستدامة، فإنها تعطي الأولوية للتعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني. ذلك بأن السكان المتعلمين والأصحاء أقدر على المساهمة بطريقة إيجابية في مجتمعهم. وعندما يدعم البنك الإسلامي للتنمية المؤسسات التعليمية والمنح الدراسية ومنشآت الرعاية الصحية، فإنه يمدّ الناس بالأدوات اللازمة لعيش حياة منتجة، ومن ثم يعزِّز التماسك الاجتماعي والقدرة على الصمود. وقد تمكّنت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بفضل مختلف برامجها ومبادراتها، من المساعدة على إيجاد القوى العاملة الماهرة، وتحسين أنظمة الرعاية الصحية، وزيادة فرص الحصول على التعليم الجيد، وتوفير الدعم القوي للمشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة، وتمكين الشباب والنساء.

السادة أعضاء هيئة التدريس الموقرون،

الطلاب الأعزاء،

يقع التعليم في صلب التقدم المجتمعي، فهو يمكِّن الأفراد والمجتمعات من الازدهار فكرياً واجتماعياً واقتصادياً.

وتضطلع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بدور أساسيّ في النهوض بالتعليم بفضل دعمها المالي الهام، الذي يتجاوز 5.6 مليار دولار أمريكي، لأكثر من 1,000 مشروع تعليمي في 57 بلداً عضو وفي أوساط الجاليات الإسلامية في البلدان غير الأعضاء. إذ لا بد من الاستثمار في التعليم لتحقيق التنمية المستدامة، والحد من الفقر، وتعزيز الكرامة الإنسانية.

وقد اعتمد البنك الإسلامي للتنمية تصوُّراً شاملاً للتعليم، يغطي جميع المستويات، من التعليم الأساسي حتى التعليم العالي، والتعليم المهني والفني، وتدريب المدرِّسين، ووضع المقرَّرات الدراسية. ويدعم البنك المبادرات التي تعزز المساواة بين الجنسين في التعليم، مما يضمن للفتيات والنساء تكافؤهن مع أشقّائهن في الفرص التعليمية المتاحة. وإضافةً إلى ذلك، يستثمر البنك الإسلامي للتنمية في تعليم اللاجئين والنازحين، ويمنح الأمل والاستقرار عن طريق التعلم، حتى في الظروف الصعبة.

إن مؤسسات التعليم العالي، مثل مؤسستكم المرموقة، توفر المعارف المتخصصة والمهارات والأدوات التحليلية، وتعزز قدرات التفكير النقدي، وتعدّ الطلاب لمواجهة التحديات المستقبلية. وهي مراكز بحث وابتكار تساهم في تدريب المهنيين المهرة والقادة الأكفاء وتطوير التكنولوجيات الضرورية لتقدُّم الأمة والتنافسية العالمية وازدهار الشعوب.

ويتجلى التزام مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بالتعليم كذلك في برنامج المنح الدراسية، الموجود منذ سنة 1983. وقد دعم البنك الإسلامي للتنمية، في إطار هذا البرنامج، أكثر من 18,000 طالب ينشُدون مواصلة تعليمهم العالي في مختلف المجالات العلمية من أجل المساهمة في تنمية مجتمعاتهم.

وقد استطاعت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بفضل مكانتها الفريدة بصفتها رائدة في مجال المالية الإسلامية، أن تقدِّم حلولاً مالية مبتكرة توافق مبادئ الشريعة الإسلامية. وكانت أدوات المالية الإسلامية، كالصكوك والتمويل الإسلامي الأصغر، فعالة في تعبئة الموارد للمشاريع الإنمائية، ولا سيما في المناطق التي قد تكون فيها خيارات التمويل التقليدي محدودة أو أقل ملاءمة.

أيها السيدات والسادة،

بينما كانت الاقتصادات العالمية تسعى إلى التعافي من التأثير العميق لجائحة "كوفيد-19"، التي تصدينا لها بسرعة عن طريق برنامج بلغت قيمته 4.7 مليار دولار أمريكي، واجهت هذه الاقتصادات مشكلة أخرى تمثلت في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في أعقاب أزمة أوروبا الشرقية. وقد أطلقنا برنامج معالجة قضية الأمن الغذائي، وخصصنا مبلغ 10.5 مليار دولار أمريكي كي نسدّ على نحو أفضل الاحتياجات المتطورة لبلداننا الأعضاء عن طريق التصدي لأزمة الأمن الغذائي المتصاعدة.

وتتوافق هذه المبادرات بسلاسة مع الأهداف الشاملة لاستراتيجية التنمية البشرية الشاملة لدى البنك، التي تشمل مجالات حيوية مثل التخفيف من وطأة الفقر والتعليم والرعاية الصحية وتعزيز المعايِش.

وفضلاً على ذلك، في عصر يتسم بالتحديات الملحة المتمثلة في تغير المناخ والتدهور البيئي، خصصت مجموعة البنك موارد كبيرة لمشاريع مستدامة بيئيا وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ، مما يساهم في التخفيف من تأثير تغير المناخ وتعزيز الممارسات المستدامة وسط بلدانها الأعضاء. وفي إطار التزامنا وإدراكنا للعلاقة بين المناخ والتنمية، قطعنا على أنفسنا التزاما طموحا بأنه بحلول عام 2025، ستكون نسبة 35% على الأقل من عملياتنا في تمويل الأنشطة المرتبطة بالمناخ. والخبر السار هو أن النسبة قد وصلت بالفعل إلى 33%. كما ساهم البنك بمبلغ 13 مليار دولار أمريكي في حزمة التمويل التراكمي للأنشطة المناخية التي أطلقتها مجموعة التنسيق العربية بقيمة 24 مليار دولار أمريكي، والتي أعلنت عنها المجموعة في الدورة 27 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في نوفمبر الماضي في مصر، وذلك لمعالجة أزمة المناخ العالمية بحلول عام 2030.

وعلى المنوال نفسه، أجرينا في العام الماضي إعادة مواءمة استراتيجيتنا المؤسسية للفترة 2023-2025 لتتمحور حول ركيزتين مترابطتين هما البنية التحتية الخضراء والقادرة على الصمود والمستدامة، والتنمية الشاملة لرأس المال البشري.

وتدرك مجموعة البنك أن القطاع الخاص يؤدي دوراً محورياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية. وللاستفادة من دراية القطاع الخاص وموارده، عملت مجموعة البنك بنشاط على تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وقد يسرت أوجه التعاون هذه الاستثمارات في القطاعات الحيوية، وشجعت الابتكار، وحفزت تهيئة فرص العمل، مما ساهم في نهاية المطاف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الأعضاء.

ويُعتبر الشمول من صميم خطة التنمية التي تتبناها مجموعة البنك. وإدراكاً لإمكانات فئتي النساء والشباب بصفتهما عوامل للتغيير، نفذنا برامج لتمكين رائدات الأعمال وتعزيز فرص العمل للشباب. وعن طريق تعزيز المساواة بين الجنسين وإشراك الشباب، وضعت مجموعة البنك الأساس لمجتمعات أكثر شمولاً وازدهاراً.

وبالمثل، يولي البنك أهمية لتنمية القدرات باعتبارها الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق تحول اقتصادي واجتماعي على نحو أفضل. ويستهدف نهجنا تقديم مساعدة فنية محددة على مستويات القدرات الثلاثة: المؤسسية والتنظيمية والفردية.

ونعمل أيضاً على الاستفادة من خبرات ومعارف بلداننا الأعضاء في بعض المجالات المختارة عن طريق آلية تبادل المعارف والخبرات التي يستخدمها البنك، إذ نعمل على تيسير نقل المعرفة والدراية من بلد عضو إلى آخر. وبموجب هذه الآلية، يجمع البنك بين بلدين أو أكثر للاستفادة من المزايا النسبية الفنية لكل بلد والحلول التي أثبتت جدواها لبناء القدرات في مجالات التنمية ذات الأولوية.

والبنك الإسلامي للتنمية هو المؤسسة التنموية الوحيدة المتعددة الأطراف فيما بين بلدان الجنوب التي ينتمي أعضاؤها إلى الجنوب. ولذلك، يظل التعاون فيما بين بلدان الجنوب أحد أهم أولويات البنك. ونعمل مع العديد من البلدان لتطوير نظمها للتعاون فيما بين بلدان الجنوب. كما نعمل على تعزيز التكامل الإقليمي عن طريق العديد من المبادرات ومشاريع البنية التحتية مثل الممرات، والمرافق المالية، وبرامج تيسير التجارة، وما إلى ذلك.

البنك الإسلامي للتنمية والمغرب

أيها السيدات والسادة،

المملكة المغربية شريك أساسي وعضو مؤسس لمجموعة البنك. وبلغ إجمالي الموافقات التراكمية للتمويل الذي قدمته المجموعة للمغرب 6.9 مليار دولار أمريكي، وذلك ما يجعل هذا البلد العضو خامس أكبر عميل للمجموعة. وتشمل هذه التدخلات عدة قطاعات، مثل الطاقة، والصناعة، والتعدين، والنقل، والزراعة، والتعليم، والصحة.

وبالتوازي مع ذلك، يؤدي البنك دوراً حاسماً في دعم الشمول المالي في المغرب عن طريق العديد من عمليات المساعدة الفنية التي تهدف إلى تطوير نظام التمويل التشاركي، والتمكين الاقتصادي، والحصول على التمويل.

وقد كانت تدخلات البنك في المغرب ذات أهمية كبيرة حيث كان لها تأثير اجتماعي واقتصادي كبير على السكان. ووفقاً للتقييم الذي أجرته إدارة التقييم التابعة للبنك، كانت جميع المشاريع فعالة بشكل عام.

ووفقا لهذا التقييم، تؤثر المشاريع التي يمولها البنك بشكل إيجابي على إدرار الدخل.

وساهمت المشاريع الزراعية بشكل كبير في الحد من وطأة الفقر في المناطق المستهدفة. كما كان أحد أهم التغييرات التي أحدثتها مشاريع المياه هو تحسين الصحة وتعليم الفتيات. وقد لوحظ نفس التقدم على مستوى الأحوال المعيشية بفضل دعمنا لبرنامج كهربة الريف. وثبت تأثيرنا أيضا على صعيد تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد عن طريق المساهمة في قطاع الطاقة وبناء طرق المرور السريع. وأخيراً وليس آخراً، فإن دعمنا للنظام المصرفي التشاركي له تأثير أساسي على الشمول المالي في البلاد.

ويسترشد التعاون بين مجموعة البنك والمملكة المغربية باستراتيجية الشراكة القطرية مع البلدان الأعضاء، والتي تشكل الأساس لحوار البنك مع البلدان الأعضاء. وتركز هذه الاستراتيجية على أربعة مبادئ: (1) الملكية القطرية، (2) انتقائية التدخلات وفقاً لاحتياجات البلدان الأعضاء والتأثير المرجو، (3) تآزر مجموعة البنك، و(4) الشراكة مع مؤسسات تمويل التنمية الأخرى.

ويسعدني أن أعلن أن مجموعة البنك اتفقت مع حكومة المغرب على إطلاق استراتيجية قطرية تهدف إلى إقامة شراكة قوية بين مجموعة البنك والمغرب للفترة 2024-2027.

وتهدف الركائز المختارة إلى أداء دور حيوي في تحقيق التحول الاقتصادي في القطر بإطلاق العنان لإمكانات الاقتصاد عن طريق النمو الأخضر ودعم تنمية رأس المال البشري والشمول الاجتماعي، لا سيما في سياق ما بعد الزلزال. وتقتضي هذه الركائز أيضاً تعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب عن طريق تبادل المعارف والخبرات وتعزيز نظام التمويل التشاركي لتطوير ريادة الأعمال.

ويعتبر المغرب مركزا للخبرة والمعرفة التي يمكن أن تستفيد منها بلدان أخرى، الأمر الذي سمح لنا، بالتعاون مع بعض الوكالات الحكومية في المغرب، بتصميم وتنفيذ أكثر من 20 مشروعا في إطار تبادل المعارف والخبرات، استفادت منها حتى الآن 12 من البلدان الأفريقية الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى. والقطاعات الرئيسية المستهدفة هي الطاقة المتجددة في المناطق الريفية، والتدريب المهني، والزراعة، وإمدادات المياه، والصحة، والتمويل، والنقل، والخدمات اللوجستية.

ملاحظات ختامية

السادة أعضاء هيئة التدريس الموقرون،

الطلاب الأعزاء،

لقد أسهمت مجموعة البنك، عن طريق التزامها الثابت بالتنمية المستدامة والشاملة، في تحسين جودة المستوى المعيشي لملايين الأشخاص.

ومع ذلك، فإننا لم نحط رحالنا بعد. وتتطلب تحديات القرن الحادي والعشرين التزاماً مستمراً بالحلول المبتكرة، وتعزيز التعاون، والقدرة على التكيف في مواجهة الديناميكيات العالمية المتطورة. وتظل مجموعة البنك ملتزمة التزاماً راسخاً بتحقيق التطلعات التنموية لبلدانها الأعضاء، وستستمر في النمو، مسترشدة بمبادئ التعاون والشمول والاستدامة.

ومجموعة البنك ليست مجرد مؤسسة مالية؛ إنما قوة للتغيير الإيجابي، ومنارة أمل، ورمز للتعاون فيما بين بلدانها الأعضاء في عالم يتصارع مع تحديات معقدة. وبتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والاستثمار في رأس المال البشري، وتشجيع الممارسات المستدامة، يسهم البنك بشكل كبير في تحقيق أهداف النمو والازدهار.

وبينما نمضي قدما، دعونا نجدد التزامنا بالعمل مع بلداننا الأعضاء لبناء عالم يتحقق فيه الرخاء والكرامة وتُتاح فيه الفرص للجميع. ويمكننا، بالعمل معاً، رسم مستقبل أكثر إشراقاً وإنصافاً للأجيال القادمة.

ويسعدني أن أختم هذه المحاضرة بقبسات من لغتنا الجميلة تحيةً لجيل الغد ومستقبل الأمة الواعد من بناتي وأبنائي الطالبات والطلاب في هذه الجامعة العريقة:

حيِّ الشباب ووفِّهِ الإجلالا / واعقِدْ على عزماته الآمالا

أمل البلاد على رُقيِّ شبابها / إن كان حيّاً لا تخاف زوالا

ولا ننسى أن أساس رقي الأمم هو الجمع بين القدرات العلمية والمهارات الحياتية والاقتصاد القوي، أو كما قال الشاعر:

بالعِلمِ والمالِ يَبني النّاسُ مجدَهُمُ / لم يُبنَ مجدٌ على جهلٍ وإقلالِ

ووصيتي في الختام هي ألا تستهينوا بقدراتكم على المساهمة في تنمية وتقدم بلدكم وازدهار شعبكم:

وتحسب أنك جرمٌ صغيرٌ / وفيك انطوى العالم الأكبرُ

أو كما قال شاعر آخر:

وكن رجلاً إن أتوا بعدهُ / يقولون مَرَّ وهذا الأثر

والمقصود بالرجولة هنا الموقف وليس النوع، فالرجولة مواقف وأفعال، والإنسان موقف.

وفي الختام، أكرر شكري الجزيل للدكتور فريد رئيس الجامعة، ولإدارة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس، ولبناتي وأبنائي الطلبة.

ولا أنسى أن أشكر زملائي في المركز الإقليمي لمجموعة البنك في الرباط على تنظيم هذه المحاضرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Top